أبهر المنتخب المصري المتتبعين بعروضه الرائعة في نهائيات النسخة السادسة والعشرين من بطولة امم افريقيا لكرة القدم ولقن الدروس والعبر مؤكدا تربعه على عرش الكرة المستديرة في القارة السمراء بتتويجه بطلا للمرة الثانية على التوالي والسادسة في تاريخه بتغلبه على الكاميرون 1-0 في المباراة النهائية يوم الاحد.
وضرب المنتخب المصري عصافير عدة بحجر واحد فهو أسكت منتقديه وضرب عرض الحائط شكوكهم في عدم قدرته على الاحتفاظ بالكأس واستبعاده من دائرة المنافسة على اللقب حيث ان اشد المتفائلين لم يكن يتوقع تخطي المنتخب المصري الدور الاول بسبب غياب ابرز عناصره احمد حسام "ميدو" ومحمد بركات بسبب الاصابة وحسام غالي الذي فضل الانتقال الى اللعب مع دربي كاونتي الانجليزي بدلا من مساندة منتخب بلاده في الامتحان القاري، اضافة الى ايقاف قائده احمد حسن في المباراة الاولى بسبب طرده في المباراة الاخيرة في التصفيات.
لكن هذه الظروف الصعبة كانت بمثابة حافز كبير امام لاعبي المنتخب المصري ومديرهم الفني حسن شحاتة للتفوق على انفسهم فلفتوا الانظار منذ المباراة الاولى امام الكاميرون بالذات من خلال فوزهم الساحق 4-2.
ولعل ابرز الدروس التي يمكن استخلاصها من تألق الفراعنة هو ان اللقب تحقق بقيادة اطار فني محلي مئة بالمئة في وقت تهافتت فيه المنتخبات القارية على الاسماء العالمية ابرزها من المدرسة الفرنسية امثال هنري ميشال (المغرب) وهنري كاسبارجاك (السنغال) وجيرار جيلي (ساحل العاج) وجان فرانسوا جودار (مالي) وروبير نوزاريه (غينيا) والالماني بيرتي فوغتس (نيجيريا) ومواطنه اوتو بفيستر (الكاميرون)، وجميعهم فشلوا فشلا ذريعا في الصعود على قمة منصة التتويج.
ولا يختلف اثنان في قدرة المدربين المحليين على صنع المستحيل مع منتخبات بلادها وهي لا تحتاج سوى الى وقت كاف وصبر من المسؤولين عن اتحاداته الوطنية، ويبقى ابرز مثال مدرب المغرب بادو الزاكي الذي قاده منتخب بلاده الى نهائي النسخة الرابعة والعشرين في تونس، وكذلك الانغولي اوليفيرا كونسالفيش الذي نجح في قيادة منتخب بلاده الى انجاز تاريخي في النسخة الحالية وهو بلوغ الدور ربع النهائي قبل السقوط في الامتحان المصري (1-2)، علما بانه سبق ان حقق قبل عامين انجازا تاريخيا لافتا هو بلوغ نهائيات كأس العالم في المانيا.
وشحاتة لا يخرج عن هذه الاطر الفنية وهو نجح في تدوين اسمه باحرف بارزة في تاريخ اللعبة في مصر كونه اول "فرعوني" ينجح في احراز لقبين متتاليين، وكذلك في افريقيا باعتباره اول مدرب يحقق هذا الانجاز منذ الغاني تشارلز غيامفي (1963 و1965)ى علما بان الاخير هو المدرب الوحيد الذي احرز 3 كؤوس قارية (توج عام 1982 مع غانا ايضا في ليبيا).
وبالعودة الى "زعيم عرب افريقيا" المنتخب المصري فقد اكد ان اللعب الجماعي وروح القتالية والدفاع عن القميص الوطني السائدة لدى جميع اللاعبين "خلطة سحرية" مناسبة لتحدي الصعاب وتحقيق النتائج المتوخاة وهو ما اكده نجمه المتألق محمد ابو تريكة مسجل هدف الفوز في مرمى الكاميرون بقوله "انه انجاز رائع وتاريخي ساهم في تحقيقه لاعبون متميزون اثبتوا انتماءهم لبلدهم بفضل روحهم الجماعية والقتالية".
وتابع "ما يزيد اعتزازنا بهذا اللقب انه جاء خارج قواعدنا واكدنا به اننا نستحق اللقب الذي احرزناه قبل عامين"، مشيرا الى ان "اللعب خارج مصر يزيدنا مسؤولية وحماس وثقة لاثبات الذات من اجل هدف واحد هو اسعاد الشعب المصري".
وختم "نملك منتخبا قويا وشابا سنحاول من خلاله تحقيق حلم طالما راود المصريين وهو التأهل الى نهائيات كأس العالم المقررة في جنوب افريقيا عام 2010 وذلك للمرة الاولى منذ عام 1990 في ايطاليا".
واذا كان المنتخب المصري افتقد خدمات ميدو للاصابة فان نجما اخر سطع في سماء غانا وانسى الفراعنة والمتتبعين للكرة المستديرة اسم ميدو وهو مهاجم هامبورغ محمد زيدان الذي ابدع في المباراتين امام الكاميرون، فسجل ثنائية في الاولى في الدور الاول بينها هدفه الثاني من تسديدة قوية من خارج المنطقة بعدما هيأ الكرة لنفسه على صدره علما بانه اختير اجمل هدف في البطولة، وكذلك في المباراة النهائية عندما دخل بديلا لعماد متعب وخطف الكرة من القائد ريغوبرت سونغ ومررها بذكاء كبير الى ابو تريكة الذي سجل منها هدف الفوز.
وقال زيدان "عوضت غيابي عن النسخة الاخيرة في مصر قبل عامين عندما فضلت البقاء مع فريقي في المانيا لاثبات مكانتي داخل صفوفه وحرمت من التتويج القاري مع منتخب بلادي عام 2006، لكني هذه المرة قررت العكس وجئت لمساندة منتخب بلادي ونجحنا في التتويج".
واوضح زيدان "اننا اقوى منتخب في القارة السمراء واثبتنا ذلك في البطولة الحالية وامام اقوى المنتخبات التي كانت مرشحة للتتويج. اكدنا للجميع بان اللعب الجماعي يقود الى تحقيق النتائج الرائعة. اظهرنا ذلك امام ساحل العاج في نصف النهائي والكاميرون في الدور الاول والمباراة النهائية وامام جميع المنتخبات التي واجهناها في البطولة الحالية".
وأضاف "انه احساس رائع، والاروع منه انني كنت صاحب التمريرة الحاسمة التي سجل منها هدف الفوز".
وانتاب الشعور ذاته لاعب الوسط حسني عبد ربه الذي اضطرته الاصابة الى الغياب عن النسخة الاخيرة في مصر.
وقال "قبل عامين فرحت بتتويج مصر باللقب، لكن فرحة اليوم مختلفة تماما لانني ساهمت في احراز اللقب وتذوقت طعمه".
وابلى عبد ربه البلاء الحسن وكان خير خلف لحسام غالي، فاختير افضل لاعب في البطولة علما بانه انهاها في المركز الثاني على لائحة الهدافين الى جانب ابو تريكة وعمرو زكي والانغولي مانوتشو بفارق هدف واحد فقط خلف الكاميروني صامويل ايتو هداف النسخة السادسة والعشرين.
ولا يمكن نسيان "البلدوزر" عمرو زكي الذي لم يتوان في ابراز علو كعبه من خلال تسجيله اربعة اهداف بينها ثنائية غالية في مرمى ساحل العاج في دور الاربعة.
ويجب الاشادة ايضا بالمهاجم عماد متعب الذي على الرغم من فشله في هز الشباك كان حاسما في تمريراته وتمركزاته في الملعب والتي سهلت مهمة زملائه في التألق والنيابة عليه في هز الشباك.
ومرة اخرى اثبت الحارس عصام الحضري انه الافضل في القارة السمراء من خلال تألقه في الذود عن عرينه ومساهمته في بلوغ الفراعنة المباراة النهائية واحراز اللقب وتحديدا تألقه في المباراتين امام ساحل العاج في دور الاربعة والكاميرون في النهائي.
وكان السلاح الدفاعي لشحاتة فتاكا ونجح بفضله الى حد كبير في شل حركة نجوم المنتخبات التي واجهها باعتماده على حائط دفاعي مكون من 5 متألقين هم الجناحان الايمن احمد فتحي والايسر سيد معوض، والاختصاصيان في الرقابة وائل جمعة وشادي محمد والليبيرو هاني سعيد ومن امامهما محمد شوقي وعبد ربه واحمد حسن.
وعموما كان المنتخب المصري متكاملا ومنسجما في جميع خطوطه وما اختيار 5 لاعبين من صفوفه ضمن التشكيلة المثالية للعرس القاري الا دليلا قاطعا على قوته واحقيته بالتتويج.
واللاعبون الخمسة هم عصام الحضري ووائل جمعة وحسني عبد ربه ومحمد ابو تريكة وعمرو زكي، علما بان مدافعيه احمد فتحي وهاني سعيد اختير ضمن التشكيلة الاحتياطية التي ضمت 6 لاعبين.